إذاً: النصوص جميعاً واضحة في الرد على مذهب
الخوارج ، ويمكن أن نجعلها رداً على
المرجئة أيضاً؛ لأنهم يجعلون الظالم لنفسه مثل المقتصد أو السابق في أنه كامل الإيمان، فهذه الآيات ترد عليهم؛ لأنها فصلت الأقسام وجعلتهم ثلاثة، فالإيمان متفاوت وليس كما يقولون: لا يزيد ولا ينقص، وأهله فيه سواء، ونحن نقول: لا، بل أهله فيه مختلفون؛ لأنهم ثلاثة مراتب، فإذا كانت النصوص الدالة على أن أهل الإيمان مرتبتان كما في آيات الواقعة التي ذكرنا فيها أن أصحاب اليمين والمقربين كلاهما من أهل الجنة، وفي هذا رد على
المرجئة ؛ لأنهم يقولون: لا يتفاضل أهل الإيمان فيه، والجواب: بل هنا تفاضل على درجتين، فإذا كانت الدرجات ثلاث فهذا زيادة في الرد عليهم؛ لأن فيها زيادة في إثبات التفاضل.فإذاً: الإيمان يزيد وينقص، ومن هنا يمكننا أن نقول: لو أن رجلاً كان في درجة الظالم لنفسه فإن في إمكانه إذا اتقى الله وتاب وتمسك بالواجبات، واجتنب المحرمات، وقرأ القرآن، وقوى إيمانه أن يصبح من المقربين من السابقين والمجتهدين المحسنين، ولكن من يفعل الذنوب ويهمل في الواجبات والفرائض فإيمانه يضعف حتى يصبح في درجة المؤمنين فقط، بل ربما ضعف -والعياذ بالله- حتى يصبح من درجة أهل الإسلام فقط، فإن هذا هو مجال الترقي والارتفاع أو الانحدار، والتفاضل يشمل هذا كله، فمعنى ذلك أن الإيمان يزيد وينقص، ولا صحة لمذهب
المرجئة ، فيكون في هذه الآية التي تفصل مراتب الناس إبطال لمذهبي
الخوارج و
المعتزلة .فمن أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق بالقلب، لكنه لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن فإنه معرض للوعيد، ومعنى أن درجة الظالم لنفسه هي درجة من أتى بالإسلام الظاهر وأتى من الإيمان الباطن بالتصديق فقط، ولكن لم يأت بالانقياد والخضوع والإخلاص والإنابة والخشوع التي تجعله في مرتبة المؤمنين ثم المحسنين أنه معرض للوعيد.